الجمعة، 17 يونيو 2011


الأزمة التاريخية لليبرالية في مصر

كتابة هدى عثمان

حين سؤل صديقي صاموئيل تادروس (احد الباحثين في تاريخ الليبرالية والحاصل مؤخرا على درجة الماجستير من مركز دراسات الديمقراطية والحوكمة من جامعة جورج تاون) عن ما إذا كان للليبراليين اي فرصة في الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة ، اجاب بالنفي معولا ليس فقط علي مدى تواجد اوقوة الاحزاب الليبرالية او غيرها من القوى المضادة بل ايضا على هيكل النظام الانتخابي في مصر وكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية.

ولكن ما دفعني لذكر مقالة تادروس هو الجزء الذي يسرد فيه مختصراً لازمة الليبرالية في تاريخ مصر الحديث.

في هذا الصدد يقول تادروس:

أزمة الليبرالية المصرية هي قصة طويلة ومحزنة. قصة بدأت مع ظهور طبقة المثقفين (الافندية الجدد) التي لم تنشأ من طبقة وسطى مستقلة كما حدث في الطبقة البرجوازية في اوروبا ، بل انبثقت من بيروقراطية الدولة. وكان الهدف الاساسي لهذه الطبقة هو تنفيذ برنامج حداثي متناقض الهوية ترعاه الدولة وتفرضه على بقية الشعب. هي قصة علاقة معقدة هي خليط من اعجاب وكراهية تجاه الغرب بوصفه ممثلا للحداثة Modernity. وهي أيضا قصة الفشل في فهم الحداثة وعدم التمييز بينها وبين التنوير Enlightenment مما أدى الى عدم قدرة هذه الطبقة على التعامل مع الدين. وبالتالي فإن الأزمة الراهنة التي تواجه الليبرالية في مصر ليست جديدة ، بل هي مظهر آخر من مظاهر الأزمة التي تناولها نداف سافران قبل خمسين عاما في كتابه "مصر: البحث عن مجتمع سياسي".

ظل المشروع الليبرالي المصري مشروعاً تتبناه الدولة وترعاه تحت غطاء الحداثة، وظل الليبراليون المصريون دائما ما يخاطبون الممثل الوحيد لليبرالية والذي يرعى مشروعهم : ألا وهي الدولة ، أو بتعبير أدق ، الحاكم ذاته. فإذا كان الحاكم هو الذي يحمل مفاتيح تحقيق حلم الليبرالية فلمَ يتكبد المفكرون الليبراليون عناء مخاطبة عامة الناس وكسب تأييدهم؟
وهكذا فقد كانت النتيجة الطبيعية هو اسقاط الشعب من المشروع الليبرالي وانفصال تلك النخبة عن رجل الشارع، بل وأصبح مفهوم القومية Nationalism هو خيار النخبة المثقفة في الخطاب السياسي الموجه لبقية الشعب.

لم تتمكن نخبة المثقفين في مصر من التغلب على علاقة الحب-والكراهية مع الغرب. فقد اعتبر المثقفون التقدم العلمي والتكنولوجي مجرد مجموعة من النتائج دون الاعتراف بالروح الفلسفية المؤسسة لها. وظهر مفهوم القومية كحل لهذه المعضلة. على سبيل المثال كتب جمال الدين الأفغاني أن الغرب هو كيان موحد وأن الشرق عليه أيضا تحقيق الوحدة إن أراد النجاح في المنافسة. إذن فالمذهب القومي في الشرق الأوسط ، كما ذكر المؤرخ البريطاني إيلي كيدوري ، هي فكرة مستوردة من الغرب ، ولكنها كانت أيضا وسيلة لمواجهته. وبذلك وتبعا روح العصر في 1930s ، كان لا بد أن يفقد التيار القومي أي سمة من سمات الليبرالية التي بدأ بها، بل وتبنى لهجة مناهضة لليبراليةكما هو التقليد في الايديولوجيات الشمولية المختلفة كالفاشية في البداية ، ثم القومية العربية ، وأخيرا ، الأسلمة.

لقد تم نمذجة المشروع الليبرالي المصري على غرار الطريقة الفرنسية حيث تم إرسال الكثير من الطلبة في بعثات دراسية عادوا منها مشبعين بأفكار فرنسية خاصة وقد كانت فرنسا حينها القوة الوحيدة في وجه الاستعمار البريطاني، وبالتالي المصدر الملهم لطبقة المثقفين وقتها. وهكذا فقد شكّلت الروية الفرنسية للعالم طريقة تفكير المثقفين المصريين .وأصبحت حركة التنوير الفرنسية هي المعيار ، وباتت العلمانية الفرنسية هي النموذج المحتذى ، فبالرغم من أن المثقفين المصريين وقتها لم يتبعوا نموذج أتاتورك المتطرف ضد الدين إلا أنهم ودون إدراك لم يختلفوا كثيراً عنه. فهم لم يتناولوا أهمية الدين والدور الذي يلعبه في المجال العام ومن ثَم تجاهلوا تماماً العامة وتبنوا أفكاراً مناهضة للغرب ورافضة للحوار معه.

ينهي تادروس الجزء التاريخي في مقالته بأن "مشكلة الليبراليين وقتها أنهم قرأوا لفولتير Voltaire و روسوRousseau ولكن لم يقرأوا سطراً واحداً لادموند بيرك Burke "



http://blogs.the-american-interest.com/middleeast/2011/03/29/egypt-for-real/


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق